الأربعاء، 17 ديسمبر 2025

عبور ناعم بقلم ماهر اللطيف

عبور ناعم
(تتمة قصة "جيرة محبذة") 

بقلم: ماهر اللطيف 🇹🇳 

فتحتُ عينيَّ على خيط ضوءٍ تسلّل من بين الستارة، فلامس وجهي برفقٍ كأنّه يوقظني إلى موعدٍ مؤجّل منذ زمن.
لم أعد أميّز بين الليل والنهار، ولا بين الحلم واليقظة، فكلّ شيءٍ صار متشابهًا، ساكنًا، ناعم الحوافّ.

أعددتُ قهوتي كما اعتدت، رشفةً صغيرة، ورشفةً ذكرى.
جلستُ على الكرسي المقابل للصورة المعلّقة في الركن، ابتسمتُ لها وقلت:

– تأخّرتِ كثيرًا يا نهى، هل نسيتِ موعدنا؟

صمتت الصورة كعادتها، لكنّي سمعتُ صوتها يأتي من بعيد، من عمق القلب لا من الجدار:

– لم أتأخّر يا مخلص، أنتَ الذي ظللتَ واقفًا عند الباب، تخاف أن تعبر.

ابتسمتُ، وقلتُ بخفوتٍ:
– كنتُ أنتظر أن تفتحي لي الطريق.

فقالت بصوتٍ كنسمةٍ بين أوراق الشجر:
– الطريق مفتوح منذ رحلتُ، أنتَ فقط من أغلقه بالدموع.

أطرقتُ برأسي قليلًا، تذكّرتُ أول مرة التقينا فيها في بيت أختي علياء، والحياء الذي خبّأ ارتباكنا، وكيف صارت ضحكتها جسرًا بين قلبين.

مرّت الذكرى كطيفٍ دافئٍ في غرفةٍ باردة، ثم انحسرت مثل نسمة آخر الخريف.

قمتُ ببطء، اقتربتُ من الصورة، لمستُها بأطراف أصابعي.
الزمن توقف. الهواء صار أكثر نقاءً، خفيفًا، كأنّه يدفعني إلى الأمام لا إلى الخلف.

قالت نهى:

– تعالَ، فقد تعبنا من الفُرقة.

– وهل هناك طريق آخر سواكِ؟

– لا طريق سواي، ولا موت هنا، بل راحة.

مددتُ يدي نحوها، وكنتُ أرى كلّ شيءٍ يذوب من حولي: الجدار، الكرسي، فنجان القهوة، حتى اسمي صار خفيفًا كنسمةٍ من دخان.
عبرتُ.

لم يكن موتًا كما يقولون...
كان عبورًا ناعمًا نحو وجهٍ انتظرتُه عمري كله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

بين اللطافةِ والشّقاوةِ بقلم فؤاد زاديكي

بين اللطافةِ والشّقاوةِ الشاعر السوري فؤاد زاديكي بَيْنَ اللَّطافَةِ وَالشَّقاوَةِ فَارِقُ إِنْ جاءَ بابَهُ بِالتَّفَحُّصِ طَارِقُ يَحْنو إذ...