السبت، 31 ديسمبر 2022

من شب على شيء شاب عليه بقلم ماهر اللطيف

"من شب على شيء شاب عليه"
بقلم :ماهر اللطيف

لا زلت أتذكر ذلك الحوار الذي دار بين أبناء منطقتي ذات نهاية سنة مساء بالقرب من منزلي و كنت حينها قافلا من الجامع بعد أداء صلاة العشاء جماعة ، حيث كانوا يتطرقون إلى فحوى منشورات منصات التواصل الاجتماعي في هذه الفترة و ما تتسم به من غرابة واستهجان و ابتعاد عن الواقع ، إذ قال أحدهم بنبرة حزينة و ساخرة :
- كثيرا ما نقرأ هذه الأيام أدعية دينية محتواها أمنيات و انتظارات جميلة و معقولة من السنة الميلادية الجديدة، لكني لم اقرأ أبدا دعاء في نفس المجال يدعو إلى التوكل على الله و طلب عونه للتغيير و التوبة و الاقتراب من الله اقترابا قاطعا لا رجعة فيه.
- (مواصلا ما بدأه مخاطبه) لم أقرأ مثلك شيئا يدعو إلى مراجعة الذات و نقدها و الوقوف عند زلاتها و أخطائها و محاولة معرفة الأسباب و تحليلها و التدقيق فيها قبل البحث عن حلول جذرية لتجنب مثل هذه الأخطاء مستقبلا
- (رجاء ابنة العشرين سنة بصوتها القوي و كأنه صوت ذكوري) الكل يرجو، يتمنى ،ينتظر... ،يرمي ثقله على الزمان و المكان و ينسى أن العيب فيه لا فيها، وان وضعه الحالي مهما كان نوعه و حجمه هو نتيجة ما قام به و تعامل مع البشر و الزمان و المكان والدين و العادات و التقاليد وغيرها
- (الأول بكل ثقة في النفس و هو شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره، متوسط القامة و الجمال و اللباس والمظهر، أسمر اللون) فعلا، فنحن جميعا نتهرب من المسؤولية و تحمل تبعات أوضاعنا و مآلاتنا و نرميها عادة على الزمن و القدر و الإنسان وغيرهم ، نرجع الفشل إلى أمور أخرى و أشخاص آخرين و تعلات واهية و كأننا قمنا بما يجب القيام به على أكمل وجه لكن هؤلاء عطلونا و منعونا من النجاح و الحال أننا لم نقم بادني مجهود و انتظرنا النجاح السهل الذي قد يأتينا من طرف مجهودات غيرنا
- (الثاني و هو في نفس سن عماد المخاطب الأول تقريبا، طويل القامة، اسمر اللون، بالي الملبس و متوسط الجمال والقد) نعيب زماننا و العيب فينا، و ما لزماننا عيب سوانا، و نهجو ذا الزمان بغير ذنب و لو نطق الزمان لنا لهجانا، و ليس الذئب يأكل لحم ذئب و يأكل بعضنا بعضا عيانا كما قال الإمام الشافعي.
- (رجاء متحسرة) نحن أمة متواكلة في معظمها، نروم إلى نيل الأماني و تحقيق الانتظارات دون عمل وكد وجد و تضحية و سقوط و قيام و جراح وآلام...
- (عماد متحمسا) أمة تعشق التغني بالماضي التليد و البكاء على الأطلال و الحديث الكثير بدل العمل. أمة مستهلكة غير منتجة و لا مصنعة أو مبتكرة، نحلم بالثروات و الخيرات و الجنان و مرافقة الصالحين و النبيين و المرسلين في الآخرة ولم نقدم ما يشفع لنا و يمهد لتلك الأحلام
- (عبد الناصر وهو المخاطب الثاني) نميل إلى القوالب الجاهزة و استهلاك ما توصل إليه الآخر و نحن نسبه و نشتمه و ننعته بأبشع النعوت و الأوصاف ونتغني بأمجادنا و إنجازاتنا التي تخلينا عليها....
و واصلوا الحديث كذلك مدة من الزمن، وهم ينتقدون الأمة العربية الإسلامية و لا ينقدونها، يعتدون عليها و لا يحاولون اقتراح حلول بديلة أو تصورات و رؤى يمكنها تغيير الواقع و الخروج به من الظلمات إلى النور إخراجا جذريا يجعل من هذه الأمة أمة نموذجا و مثالا للتحول و التحرر من التبعية إلى الاختراع و الابتكار و بالتالي النجاح و التألق و قيادة العالم بإذن الله و عونه ما دام هذا الشعب يدعو و يتوكل على الخالق و يعمل وفق دينه و مناهجه السمحة و يخاف عذابه الشديد عند العصيان أو التواكل و الرضوخ إلى أوامر و طلبات الشيطان...
تحدثوا طويلا إلى أن قالت رجاء بصوت منخفض شدي :
- أرجو أن تكون السنة المقبلة فاتحة خير و بركة لنا، وان يرزقنا الله ما نصبو إليه و يبعد عنا شرور البشر و قسوة الزمان و المكان
- (عماد بعد أن قال آمين) هيا بنا نحيي سهرة رأس السنة مع بقية اصدقائنا، نغني و نرقص ونلهو، نرجو و نتمنى و من يدري، قد يتغير الوضع....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

يامن سكنت بقلم عماد شكري حجازي

........يامن سكنت......... يامن سكنت مجرتي  ضاقت دفوف الطبل  منك مداركي  أصبحت فيك تخشى  ظلالا لاتجيب بين  توارد همستي  والروح سقمت مرأى  عي...