الجمعة، 31 مارس 2023

الجثث بقلم أمل شيخموس

الجثث 
           قصة *
      للكاتبة الروائية
                  أمل شيخموس // سوريا 
                                    ▪︎▪︎▪︎ 🤺
 لا تزال طاقاتُهم عالقةً بها مهما تحاول الخلاص إلا أنَّها " مستهدفة " من قبلهم ، و لا ضير بقناعتهم من معاقبتها بهذا الشكل المريع ، فأرواحهم مازالت تسكنها و تنتقل معها ، و كأنَّ الزمان يتجدد في كل الفصول و الشخصياتُ تنبتُ من جديد إثر كل مرة يتم قتلهم يعودون بأزياء و أشكال و مُقل شدَّ ما تضيء كالأشعة فوق البنفسجية تلجُ الحلم ، أو أن الحلم يدلفُ بها من الزوايا ، و التفاصيل يتراءون في هذا البيت الأشبه . . أهو مسكون أم مسحور لا أحد يدري ؟ ! 
فقط هي تراهم كيف يتسللون من الشقوق و الثقوب بغية اقتناصها و صغيريها ! يتكرر المشهد و بأعجوبة تنجو بهما . . الجو أخضر و الأشعة خضراء و هو يتراءى لها شخصياً عيناهُ تشعان كالنوافير ، و كأنَّ المشهد مسلطٌ عليه أضواء كثيفة على عتبة المسرح .
من الأسطح الامعة يتراءى سواءً أكان درابزين الدرج الذهبي ، أو الأواني الفضية ، أو حتى من القاعة المغمورة بالتحف النفيسة ، إنه بيتٌ مسكونٌ لا محال ! ؟ 
عن طريق هؤلاء المسجونين داخل الأشياء هنا ، أم في أعماقها ، أم في كتبها ؟ ! 
اعتادت على قتل معجبيها " روائية " مشهورة ، إيداع جثثهم بما تحمل من رائحةٍ للشجن و الحنين إلى حروف روحها و ربما تفاصيل جسدها أيضاً ، و امتلاكها بشكلٍ جديًٍ مهما كلف . . فما كان منها إلا أن ترفع عليهم سيف الكتابة ، فتقتلهم حقيقةً كي يحييوا طقوساً باهرة بين بساتين رواياتها بيد أن الأمر لم يكن كذلك البتة ، ليس ربما هذا يروق الجميع أو يغويه ، فقد أزمعوا إنتقاماً ضاريِّاً 
تعاهدوا أن يؤذوها " أسرتها " ألا يهنئوا البتة ، و ما أعظم القسم ، و ما أعظم ما قاموا به ! 
فرَّ الزوج بهم إلى سكنٍ آخر ، الأهم هو سلامة أسرته الذين ازدادوا مقتاً للقصر ، وحدها تخونهم تتكتم على الحقيقة " السر " تدري ما الأمر ، و ما الذي يجري من حولها ! 
أرواحٌ .... أرواح و أخيلة تتتبعُها كما اللعنة أهي لعنة أم نعمة ؟ ! 
- الكتابة ! ربما هي نعمة في نظر الآخرين ملكة و موهبة " تمييز " بيد أنّ خلف الكواليس وحدها تستطيع إحصاء اللعنات و الخيبات التي لا حصر لها كيف تلاحقها ؟ ! 
في آخر زيارةٍ للقصر تراءى لها الأخضر من بين زجاج النوافذ ، حيث هبت ريح شبه قوية أردت المزهرية الفارغة . .أرضاً لتحطمها ، و يخرج منها ماردٌ أسود الشعر هذا الشخص الذي قتلته مؤخراً بمسدس الكلمات و دفنته في عمق الصفحة ليتوارى بين الأحداث و السطور بعد أن رشتهُ بماء المحبرة ، و القليل من الدموع أصول الدفن ، فهي اعتادت هذه الطقوس و لا خلاص منهم إلا بذاك ، أما هذه المعجبة التي تجسدت الآن ، فقد كانت شديدة الالتصاق بها ، و هي التي تفر من الجميع حباً بالحرية ، فالأفكار و الحروف تدلف بها دواماتٍ سرية لا ينبغي لأحدٍ أن يراها سواها ، فهي تتحول إلى وحشٍ أحياناً ، و أخرى إلى سندباد و تارةً سندريلا ، و بياض الثلج أما السفر على المقشة الزمنية و عبرها ، فحدث و لا حرج التسرب بين طبقات الوقت ، و التدحرج من خلاله ما بين الماضي ، و الحاضر ، و المستقبل ، فهي تتحول و تتشكل و تمتزج و لا يبقى منها شيء فكيف لهؤلاء أن يقتنوها ، و هم يريدونها بشرية اعتيادية ، إنَّها لا تحيا ذات الفصول بل ينمو لها ذيل عند الصباح فجراً كما الحورية ، أما مساءً بين طيات الليل تنحدر و تنهمر في أماكن أخرى لم يختبرها سواها صولات ، و جولات كتابية ، و زخات حرفية ، و إستفهامات لا حصر لها ترعدُ بالإلهام بالبرق ، و العواصف .
هو ذا الأخضر النحيل يتوجه إليها يقترب منها يحاول أن يشتمها من تلك المسافة التي لا بأس بها مقلتاهُ كما الزّجاجِ تفيضانِ بالدّموعِ ، تستبرقان بالرعود إنها الجثة التي عشقتها بضراوة و أقسمت أن تتملكها حتى بعد الموت و ها هي المرأة ذات الشعر الأسود الغجري المعجبة المتيمة تدنو أكثر ، فتلمس فستانها تنبس :
- إنّه باهظ الثّمن . . !
  تستكمل : 
- أنت كلما تزوريننا تقومين بارتداء الأبهى          
    إذاً أنت فاحشة الثّراء !    
ت..لكك...ت الكاتبة تلعثمت لم تعد . . تسعفها و سط الرعب ثلاث جثث حية من حولها تحدق بها بينما صغيراها أعلى الدرج غير منتبهين لما يجري سوى شعور طفيف بعدم الراحة ، عادةً الصغار تطغى عليهم الإيجابية علاوةً أنهم غير مطلعين على سر والدتهم الغريبة الأطوار التي يجدونها من أحن خلق الله 
لم يسعفها لسانها بالرد !
بيد أن المعجبة اشتدت بالإعجاب أكثر ، فأكثر :
- رائعة أنتِ في الرداء القرمزي المستبرق مع الخيوط الذهبية المكرزة ! 
      استكملت بدهشة : 
- تُرى كم كلفك ؟ !
تنحنحت الكاتبة قليلاً تود لو أنَّها تلوذ بالفرار ، فصاحب الشعر الأسود أيضاً يستعر توقاً ، و الأخضر يكاد يذوي حنيناً عودهُ يكاد أن يتلاشى . . تردت إلى الأرض بعد أن ارتطمت ساقها بطرف الطاولة و هي تحاول الإنسحاب !
تنبهت الطفلة في لحظة خاطفة . . والدتها محاصرة بأشكال مختلفة عنهم . . من القبور ؟ ! ! 
اشتدَّ عزف الرعب في المكان و كأنَّ بيانو مجنون يعزف عليه أحدهم دون أن يتراءى ، فقد كان رابعهم هذا مهووساً بها بامتياز . . ! لا حول ولا قوة إلا بالله قفزت الصغيرة من أعلى الدرج قبل أن ينتبهوا لها ، في محاولة لإنقاذ أمها العالقة . . سيتجرعون دماءها لا محال ، ذات الوقت صرخ أخوها مستيقظاً على المشهد ! . .أخته الفرار و الإسراع بالنجدة 
بدأت تجر ذراعيّ والدها على عجل : 
- أمي . . . ! 
و لج الأب القصر ليجد زوجته و ابنه في الطابق العلوي مكبلين بمخلوقات تكاد تكون . . مشهد لا يمكن احتماله !
سقطت الحبائل من بين إيديهم متجمدين إثر عزمهم على . . بوغتوا برجل ضخم قوي البنية يهرول إزائهم بدافع غريزة الأبوة التي تغلبت على الهلع آنها ! 
الجثتان المرأة المعجبة و الرجل صاحب الشعر الداكن الكثيف قد تسربتا كما الضوء من ثقوب الباب ، إلا أن الأخضر
تسمر في مكانه عازماً القضاء عليهم جميعاً العشق قتلهُ لم يبقى فيه شيء ! على كل حال لا بد من الانتقام تزامن ذلك مع بلوغ الأب الطابق العلوي ، و كأنَّ سقف القصر قد انخلع أو أنَّ صفحةً ما من كتابٍ قد قُلبت كالصفعةِ على عجل أََظلمَ المكان و أبرقَ بالضوء ، فقد قفز الأخضر إلى حيث لا أحد يعلم !
هو متوعدٌ بالانتقام !
بدى كل شيء من حولهم يهتز و يميد إلى أقصى حد و المشهد يحتدم وحدها الكاتبة تدري ما الذي يجري هنا ؟ ! 
إنَّها لعنة الكتابة و التعلق المرضي للأشخاص بها دون وعيِّ هذا الأمر يجعله قاتلاً أحياناً ، و يرتكب فاعله الحماقة من حيث لا يدري .
الكل في ذهول و كأنَّهم في دوامة يدورون القصر يهتز بهم ، الأم تلاشت تماماً و سط تلك الفوضى فقد جذبها الأخضر إلى مكانٍ سحيق 
بدأ يتأملها بجنون و شراسة الذئب ، هي آمنة هذه اللحظة لأنها تقرأ في مرآة عينيه المضيئتين الحب* و الذي يحب يستحيل أن يؤذي 
قالت لها عيناه و قلبه مفطور : 
- لماذا تركتني ؟ ! 
وقع السؤال كما الصاعقة ! سيفٌ بتار !
تشتدُ ألماً و حسرة تجيبه بذبول : 
- أنا لم أتقصد ، لكن القدر يهدينا لأناسٍ نشتبك و ننفرز و إياهم في الحياة الأمر ليس باليد .
كما أني أعتذر أيما اعتذار لكل من بقي عالقاً بي و بقيتُ عالقة به و مازلت أجاهد كي أحيا حياةً سوية مع هذا الكم الهائل و المهول العالق بي لأخرج للعالم بهذا الثبات أتمنى الصفح أيتها الأرواح الكريمة الغفران يليق بك .
عازف البيانو المجنون أيضاً توقف عن بث الرعب لثوانٍ احتفاءً بها ، المرأة المعجبة و الشعر الداكن من الأسطح المعدنية يتراءون لها بعيون وجودية فقط تضيء تثبت ذاتها بذاك الوهج ! الدموع تترقرق في عينيه الخضراوين يود لو أنه يلفها أو يقتنيها كما العطر لو اضطر لأدخلها عنوةً في عمق تلك الزجاجة بيد أنه آثر أن يتركها لزوجها و أولادها فهي حيَّة هناك تعيش ، و هم بين الأتربة و الكتب المهملة لا يمكنها التواصل بالشكل الصحيح .
لابد للحب أن ينتصر ، أن يدعها لهم سالمة غانمة تعود .
كان يرتدي فانيلا بيضاء تبين بروز عظام صدره و بنطال رمادي واسع قد عقدهُ بحزام جلدي ضيق يمنع انزلاقه ، فقد كان مقاسه مناسباً قبل أن يتعلق بها بيد أنّه خسر الكثير من شحمه و لحمه جراء التتبع . . امتلاكها و لو سطواً !
هذه النتيجة خسرانٌ مبين و لعنة أكيدة و جثث هامدة إلا من التعلق بها !
ما يزال يتأمل عينيها بحسرة ربما كانت اللحظة متبادلة .
أيضاً متأثرة بهم ، كم هائل من المشاعر تستقبله منهم و يُختزن رغماً عنها يتم سحب الطاقة و . . مشاعر البؤس و الحسرة منهم إليها عن طريق الإرسال المكثف من بعض القراء المنبهرين يتم جالتقاطها في مخازن الذات لا إرادياً ، فالإنسان يؤثر و يتأثر بفعل الطبيعة و كل العوامل المحيطة .
أخيراً ارتدى الأخضر المسكين سماعاته في الأذنين ، قرر إخلاء سبيلها بيد أن النظرات كانت حادة الألم لا تُحتمل اعنملت في صدرها كما الشفرات يمسك بكفيها لا يود الفكاك منها . . !
بيد أنّها لا إرادياً كانت تمسك بأصبعيه عند اجتهاده في المغادرة ، التفتَ إليها إذ بها تشد على إصبعيه ، و كأنَّ جوارحها تنزف بغزارة كما دموع الأخضر . . الممتزجتين !
عادت و المشهد المؤسف ملتصقٌ بها . . لا يفارقها !
بالأخص الأخضر الذي تشبث بها للرمق الأخير ، غفر لها من أجل أسرتِها ، و ألا تكون مجرد جثة مقتولة مثلهم بين السطور مقيدين بالفاصلة ، و التعجب محمَّلين بثقل الشدة ، و محددين بنقطة ، و سطر . . 
آثر أن تعيش هي حرة مشرقة باسمة لا هامدة !
من الحب ما قتل ، و من الكتابة ما أبكت و ما أفرحت ! أسرتها لا تدرك سرها الخطير و هي لا تجرؤ البتة . . متكتمة حتى يفرجها الله ، و تنعتق من أسر المادة إلى عالم الروح الفسيح كما الروض .
نسي الأب و الأبناء ما حدث مجرد أن لفظهم القصر خارجاً ، فقد كان الأمر سحريِّاً للغاية خُيِّلَ إليهم أنّهم غفوا كما أهل الكهف . . ثم آثروا العودة إلى البيت المستأجر القريب من قصرهم القديم الأهم من ذلك أنَّهم لا يتذكرون شيئاً ، و كأنَّ مبارزة ما تمت في الخيال ما بين الحقيقة ، و الوهم هو شعور واحد يتملكهم بعيداً عن القصر راحة كبيرة . . الكوابيس تعزز لديهم حقيقة واحدة أنَّه بيتٌ مسكون ربما حلَّت عليه اللعنة بأيِّ سببٍ هم لا يعلمون يجهلون تماماً ما الذي يجري فعليِّاً !
أثناء العودة بدت حجارة الطريق الصغيرة كأنَّها صخور متوسطة ، قطع من الكريستال الملون بعضها فسفوري اللون و الآخر بطيخي و برتقالي . . يتراءى ذاك لها فقط ، و الرجل الأخضر المسكين يبتسم لها بحزنٍ عميق يلتمع محياهُ الذي يرتسم و يظهر كما المرآة على سطح إحدى تلك الصخور الكريستالية المتوسطة الحجم المضيئة من حولها كما المصابيح المشعة وسط دكنة الليل !
لا يزالُ يتابعها و يتتبعها كاللعنة ، كما تلك الأرواح العالقة بها في عتمة الزمن يدورون كما الكواكب في مكانٍ قصيٍّ بعيداً عن إدراك الجميع وحدهم في
عالمهم المجهول الكاتبة ، و الجثث ، و الأحداثُ تدور . . .

   🌼
الكاتبة الروائية
      أمل شيخموس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

يامن سكنت بقلم عماد شكري حجازي

........يامن سكنت......... يامن سكنت مجرتي  ضاقت دفوف الطبل  منك مداركي  أصبحت فيك تخشى  ظلالا لاتجيب بين  توارد همستي  والروح سقمت مرأى  عي...