جذبني اليه هدوئه وفن رده كلماته المنمقة اهتمامه المستمر حديثه الذي مس اوتار قلبي ، وايقظ فيه بركان عميق نام لسنوات طويلة .
حاولت كثيرا مقاومة رغبتي في الإرتباط به، ولكن الأفكار والأحداث الخيالية التي كانت راسخة في ذهني منذ زمن بعيد لم تدع فرصة لنجاح هذه المحاولة ، كنت كلما ابتعدت بعدة خطوات .. أفتخر بنجاحي وتفوقي .. أحتفل.. أرقص .. أغني .. اخبر نفسي أنني لازلت على عهدي نظرا لأنني أعطيتها وعدا
ذات يوم وأنا في صراع قوي بين قلبي وعقلي ، سألت قلبي .. الم تكتفي بهذا القدر مما عانيته من الآم وجروح ؟ .. الم تخبرني أنك لم تتوفر على متسع كاف لمثل هذه الأشياء من حب وعلاقات ؟ ..لم يجد قلبي جوابا مناسبا لأسئلتي ، ضل صامتا حدث أن صمته ساهم في تغيير اتجاهي وعودتي للأمام بآلاف الخطوات .
ما هي الا لحظة وبدأ الصراخ !!.. صراخ قلبي
المرتفع ، كيف تتركيني وحيدا ؟ .. دون شريك ولا ونيس ؟.. كيف ؟ وأنت تعلمين أن العمر يمر بسرعة واجمل سنوات العمر تنقضي دون عودة ؟..
بدأت حينئذ أتراجع في قراراتي .. أفكر .. وأفكر.. ماذا عساني أفعل ؟؟
تراكمت علي طلبات قلبي .. وحنين الماضي ..والكلمات المرتبة ..والإهتمام المستمر..كل هذه الاشياء كانت اقوى من إرادتي ، الكل يجذبني بقوة خارقة ، لم اعد اقوى على المقاومة .
استسلمت !.
كان لابد لي أن استسلم !.
رفعت الراية البيضاء .
انهيت الحرب .. انتهت كل الضغوطات .
فحان الوقت وشاء القدر أن ادخل مملكة الأحلام ، ما اجملها من مملكة!! كل شيء فيها مثالي ، هناك سافرت في عالم جميل ، عالم الورود والأزهار، استنشقت عبيرها وعطرها ، احسست معها بالدفئ والأمان ، تعلمت كل لغات الحب ، تعلمت معنى السعادة الحقيقية .
تعود قلبي على السعادة والفرح ، على السكينة والإطمئنان ، كل شيء كان رائعا بالنسبة له .
كل شيء !.
غاص قلبي في سبات عميق لم يستيقظ إلا وعلى صوت عقلي وهو يناديه ، ما بك يا صديقي ؟ ماذا اصابك ؟ بالله عليك أخبرني ؟ أغوص أنا في بحر القلق باحث عن عالم يريحني ، بينما تنعم انت بالجنة ؟.
كانت اجوبة قلبي قاسية بعض الشيء جعلت عقلي يزداد توترا واضطرابا وغضبا .
استمر الإثنين في الخصام لم يجدا لخصامهما حلا ولا مخرجا ، كثر الضجيج بينهما ، الى ان حدثت المفاجئة وتدخل الطرف الثالث ، ليس للصلح بينهما وإنما لتوبيخهما على استفزازها وإثارة غضبها الشديد .
كانت هي روحي !.
روحي المتعبة .
قالت وهي صارخة بأعلى صوتها .
يكفيي .
كان صراخها مصحوبا ببكاء شديد ، وفي نبرته كل الحزن والألم ، أجهشت بالبكاء لفترة ، تنهدت وأخذت نفسا عميقا ، استكملت حينئذ كلامها وقالت: يكفيني هذا منكما، اتعبتماني كثيرا لم أعد اتحمل لماذا كل هذه الأنانية ، كانت روحي المسكينة منهكة سكتت لفترة وهي تفكر والحزن باد على محياها جمعت كل قواها وعادت للكلام من جديد الا انها هذه المرة ولأول مرة تتكلم بكامل ثقتها أصبح كلامها مختلفا ، كلام قوي وشجاع يوحي على التفاؤل والأمل والسعادة والفرح والاستقرار.
فقالت : اسمعاني جيدا ، من اليوم اصبحت انا الملكة هنا .
نعم الملكة !.
الوحيدة التي يمكنها اصدار الأوامر والقرارات ، لا أحد غيري يسمح له بذلك ، اتركاني وشأني ارجوكم ، لعلي استرجع قوايا التي دهستماها بضغوطاتكماالقاسية وتناقضاتكما المستمرة ، انتهى الآن كل شيء وأصبح الماضي من الذكريات.
بدأت حفلة التتويج !!.
تتويجي بتاج الفرح لأتربع على عرش السعادة ، كل المدعوين هنا من داخل مملكتي لا تفتح مملكتي ابوابها للغرباء ، سأكتفي فقط بأصدقائي ، منهم الأقحوان ..والياسمين .. والسوسن .. والجوري ..والنرجس ..والعديد .. العدييد من الأزهار والورود والنباتات المخلصة التي لا يعرف قلبها السواد .
أصبحت الآن مسؤولة عن مملكتي ، سوف أهتم بكل ما يخصها ، ورودي وأزهاري ونباتاتي ستسقى كلها من النهر الجاري ، الذي يمتد بين سهول وهضاب مملكتي الساحرة .
لم ولن يجف نهري ابدا ، مياهه جارية .. طاقته لا محدودة .. مذاقه عذب .. لونه صافي .. شعاره الطهارة والنقاء .
من الآن فصاعدا ستتفتح كل زهوري وورودي ، ستخضر كل نباتاتي ، وسيفوح عبيق ورودي في كل أرجاء المملكة ، لا زهرة ولا وردة ولا نبتة ستذبل اوراقها بعد اليوم .
الكل أصبح يناديني ملكة السعادة ، جد فخورة أنا بمملكتي التي سميت مملكة الأحلام الساحرة .
بسبب اهتمامي الكبير لرعيتي الكل أصبح على ما يرام ، فرحت كثيرا بهذا التغيير المفاجئ ، تحسنت حالتي .. شفيت جروحي .. جبرت جناحي المكسورتين .. تحولت من نصف روح الى روح كاملة .. صرت أطير وأحلق حول مملكتي وانا اردد من حين لآخر ، هنيئا لنا أصدقائي ، هنيئا لنا بمملكة مثالية ، مملكة تحمل كل معاني الحب والتضحية والعطاء ، هنيئا لنا بنهر لا يجف ولا يتعب متدفقا دائما بالنبع الذي يستمد منه أسمى مبادئ حياتنا .
هكذا اصبحت مملكتي مثالية قوية لا تقبل بالهزيمة ، كانت تحتل الرتبة الأولى من بين الممالك في النصر والقوة والعزيمة.
كنت فخورة جدا والفرحة لا تسعني ، الى أن شاء القدر أن يأتي بعاصفة قوية أخذت معها كل شيء جميل في مملكتي ، كسرت أشجارها ..وحطمت ورودها وأزهارها .. بينما كنت احاول إصلاح ما بقي من النباتات ازدادت الرياح والعواصف ، مرت من فوقي زوبعة كبيرة ، سرقت مني تاجي وطارت به الى الأعلى ، طرت في الأفق بحثت كثيرا وأنا أحاول العثور عليه ، ولكن بدون جدوى .
للأسف الشديد لم أكن محظوظة فقد كانت الغيوم داكنة .. والأفق غامق.. لم أعد ارى شيئا غير السحب المتراكمة .
عدت .
نعم لقد عدت وأنا منهارة متعبة ، حزينة كل الحزن على تاجي الذي أصبح ضائعا.
تابعت طريقي الى خارج المملكة ، وأنا مهزومة مكسورة ، منحنية على الأرض أحاول جمع ما تبقى من اوراق الورود و الأزهار المبعثرة على رصيف الطريق.
كان الطريق الى الخارج شاق ومتعب ، من خلال العقبات والعراقيل التي مررت منها اكتسبت قوة خارقة لدرجة أنني اصبحت لا أهزم ولو في أحن اللحظات .
هكذا قررت بناء مملكة جديدة يكون جدارها امتن وأقوى حتى لا تقوى الرياح والعواصف على هدم بنائها ..
مملكة مختلفة تليق
بإسمها الخرافي
( مملكة الأحلام )
بقلم فتيحة المسعودي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق