الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

8)»المشاهير ووهم الشهرة«(8)» بقلم علوي القاضي

«(8)»المشاهير ووهم الشهرة«(8)»
دراسة وتحليل : د/علوي القاضي.
... هالني وزاد إستياءي مارواه لي زميلي الأديب الطبيب عن رحلته لتسجيل إسمه كعضو في إتحاد الكتاب أملا في إمتطاء جواد النجومية والشهرة ، وما واجهه من مصاعب وعقبات مما إضطره أن يخالف مبادئه ، حتى كللت مساعيه بالنجاح وكان الثمن باهظا ، وهذا جعلني أسأله عن الدافع الذي يجعله يتحمل كل تلك الصعاب والتنازلات ؟! ، وكانت إجابته مختصرة إنها (متعة الإشتغال بالأفكار ، إنها متعة نادرة) ، لأنها المهنة الوحيدة التي تمكن الذي يمارسها من (التحرر) ومن تذوق كامل لمعنى الحرية ، ولكنني إعترضت على وجهة نظره ، لأن الواقع يخالف رأيه تماما ، ويؤكد أنه رغم كثرة (المشتغلين) في مجالات الثقافة والفكر والفن والكتابة ،،، الخ ، إلا أنهم غالبا أبعد مايكونون عن التحرر والحرية ، وربما عاشوا مكبلين أكثر من المشتغلين بعوالم المادة ، فالمثقفون والمبدعون بشر وبشريتهم تحولهم إلى (عبيد لأوهام أخرى) ، وهم الشهرة ، ووهم التفرد ، ووهم الترفع ، ووهم الثروة ، أوهام كثيرة تتحول مع الوقت إلى ذئاب مفترسة تفترس صاحبها وتنتهي حتى بالتهام شعلة الإبداع والفكر عند الأديب حتى ينطفئ لمعانه وتندثر أفكاره وينضب معينه ، ويتحول ذاك المفكر الذي كان يرى نفسه مشروع (منقذ) للبشرية وسيغير مجرى التاريخ ، سيتحول إلى مجرد (زاحف) يجتهد لتسلق درجات منصب أو إعتراف أو مكسب ، وفي الأخير يتخلف الأدب والفكر 
... وتنتقل هذه الأوهام وبإفراط إلى المشاهير الجدد بمجالات الفن مما أثر على مستوى مايقدموه من أعمال ، وفي الأخير إنحدر الفن والذوق العام إلى مستويات أكثر إنحطاطا
... وأوضح مثال على ذلك الوهم الذي تملك أحدهم ويدعي (م.ر.) ، أنا مقتنع تماما أن صوت الجماهير أقوي من أي صوت ، وسلاح صعب المنال هذا الممثل (م.ر.) شخص له كتير من المتابعين والمؤيدين ، وكذلك له الكثيرين من المعترضين علي شخصه وعلي الرسائل الفنية التي يقدمها ، ويروا أنه سبب في إنحدار الذوق العام والأخلاق في المجتمع ، طبعا أيها القارئ سواء تحبه أو تكرهه تتفق معي أنه شخص يحب النجومية والشهرة ويلهث خلفها ، وفي سبيل ذلك يتبع أساليب كثيرة شرعية وغير شرعية لكسب الشعبية في أوساط مختلفة منها المدروس ومنها الغير مدروس ، عنده أخطاء ناتجة عن جهل ، وأخطاء متعمدة لإثارة البلبلة ، لأنه يريد في يوم وليلة أن يصبح حديث الساعة نظرا لقاعدته الشعبية ، لكن بعد فيديو الطيار المفصول بسببه بدأت الحرب عليه من كل الجهات ، قنوات إعلامية وجماهير ومحلات وغيرهم قرروا فتح النار عليه بدون هوادة ، وهذا يجعلنا نسأل ، لماذا هذا الهجوم الشرس ؟! ، وهل مرتبط بأزمة الطيار أم مرتبط بشخص الممثل ورد فعله ؟! ، وللاجابة ، بداية أؤكد أن أكثر الناس حقارة هم المغرورون لأنهم دائما يعتقدون أن لاأحد يساويهم وأنهم على مقام أعلى من غيرهم بسبب النجومية أو الشهرة أو المال أو السيطرة ،،، الخ ، وغالبا مايكون سبب ذلك نقص كبير في الشخصية لدرجة إستصغار شخص ما ، أوحتى شتمه وسبه ، هؤلاء لايعلمون أو يتناسون أنه لاشيئ مضمون في الحياة حتى قلبنا الذي ينبض سيتوقف يوم ما ، فلا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب
... وبناءا على ماتقدم نشأت طبقة حديثة من الأدباء والكتاب والمثقفون يتصرفون كبورجوازيين مع الوقت ، رغم أنهم ليسوا كذلك ولا أي شيء من هذا القبيل ، ولكنهم يعتبرون وهم (الشهرة والقراء) رأس مال مادي ، كلما زاد تزيد بورجوازيتهم وكلما نقص يقتربون من الإفلاس ، فحين يتحدث بعضهم في وسائل الإعلام يبدون ككائنات قادمة من الأفلاك البعيدة ، كضيوف فضائيين على الحياة في الأرض ، ويخافون تلطيخ ملائكيتهم بوحل الأرض ، أنيقين في كلامهم ، وفي حركاتهم كي يؤكدوا للجميع أنهم مثقفون ، وأنهم يستحقون شرف الظهور في الإعلام وشرف النجومية ، يُظهرون رزانة كافية لتسمية جمل متقنة ، كرزانة الفقراء في أعراس الأغنياء ، حيث يبدون مهذبين وأنيقين أكثر من الأغنياء ، لكن بمسحة فقر تظهر من بعيد ، في نظرة جانبية كنظرات اللصوص أو في تنهيدة ، وبالمناسبة كان (بوكوفسكي) يكره البرجوازية وأربابها ، ولم يقتنع بها يوما ما ، فكان يحمل قنينة معه أثناء القراءات الشعرية ، وأثناء الحوارات التلفزيونية المباشرة ، يدخن ويشرب ويتصرف كأنه في غرفة نومه ، فكان حينما يحتدم النقاش في منتصف الحلقة ، وتحتدم الأسئلة النظرية الكبيرة ، ينهض وقنينته في يده ، وسيجاره مطفأ في فمه ، جارا خيط المكروفون بعشوائية ، ويقول لهم محركا يده في الهواء ، (عليّ أن أذهب يارجال لقد تأخرت) ، وكي يتفادى السقوط يستند على رأس أحد النقاد المحاورين الذي قد يكون بالصدفة أصلعا ، فينتهز الفرصة لصفع صلعته ، أو تقبيلها على المباشر ، كان (بوكوفسكي) أكبر من أن يكون (بورجوازيا) أو يتصف بها لاماديا ولاروحيا لأنه كان يحتقر كل ذلك ، ولايفرق كثيرا بين (التلفزيون) وبين (حانة) بلامكيف تهوية في الأحياء الخلفية
... لذلك يعد (مرض هوس الشهرة والنجومية والسمعة) من مشكلات العصر الحديث ، حتى لتجد أحدهم من متسلقي ومتصنعي (النجومية) يذكر أنه نام ثم إستيقظ ليجد ماقدمه من تفاهات تجاوز النصف مليون مشاهدة ، وأصبح همهم جميعا كم من الإعجابات والمشاركات جمعوا وأصابوا ، ومقياس القوم كم عدد متابعيه ، بل وصل الحد عند أحدهم حتى يقوم بالمتابعة ، ينظر كم عدد متابعيه ، ووصل المرض للجيل الصاعد ، تجده يصور المقاطع والتحديات وهو لم يتجاوز العشر سنوات ، والشهرة والسمعة لم تكن مطلوبة في سالف الأزمان ( زمن الأدب والإحترام) بل يتوارى منها القوم مع مالهم من علمٍ ومكان ، حتى قال الشافعي ، (ليت الناس تعلموا عني العلم ولم ينسبوه إليّ) ، واليوم يسرقون المقالات والمنشورات ، ويسلبون أحاسيس الشعراء فقط لجمع الإعجابات والمتابعات ، وقد أصاب مرض الشهرة حتى الدعاة لدين الله (مشايخ السلطان) مع أن الأصل أنه لله ، فالواجب علينا وأنا أولكم وكلنا في إحتياج لذلك ، التذكير فيما بيننا بإخلاص النية بجعل مانقدمه لله ولو كان المستفيدُ واحداً ، ومجاهدة النفس بدفع الرياء وتمكين الإخلاص في القلب ، والإكثار من الدعاء (اللهم إجعل ما أقدمه خالصاً لوجهك الكريم لارياء فيه ولاسمعة) ، وقراءة حال السلف والخلف مع الإخلاص وتقصي أخبارهم والسير على هديهم
... وإلى لقاء في الجزء التاسع إن قدر لنا ذلك وقدرت لنا الحياة
... تحياتى ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

نَبعَ حُب بقلم محمودعبدالحميد

.. نَبعَ حُب .. مُخَضبُ قلبي بعِشقِ أزلي وحُبُ كائن قَبلَ كينونةِ أرضنا الفانية حُبُ لا يعرفُ ميلادآ ولا حياةَ  ولا ممات حُبُ يَنضَحُ ...